العيش مع جيراننا

العيش مع جيراننا

لما يقارب السبعة ملايينِ ليبي، فإن ليبيا هي وطنُهم المبعثر، حيث يعيش ثلثي المواطنين تحت خط الفقر، ثلثُهم نازحين، وآلاف المنازل والمدارس والمستشفيات مدمَّرة، والافتقار دائم لإمدادات الكهرباء والمياه الثابتة، على الرغم من أن ليبيا هي إحدى أغنى بلدان حوض البحر الأبيض المتوسط.

أقل ما يمكننا فعله بصفتنا مجتمعًا دوليًا، هو مساعدة الليبيين في إعادة بناء وطنهم دون التدخل بمحاولة فرض الحلول التي تخلق المزيد من المشاكل. لا يمكن إعادة بناء ليبيا من الأعلى وبالتدخل الخارجي: كأنّنا نحاول بناء منزل بدءً من السقف ونزولًا إلى القواعد، حتمًا سوف ينهار.

ليبيا بحاجة إلى إعادة بناء من الجُذور، بأيدي الليبيين ومن أجلهم. ومن أجل الوصول إلى ذلك، يجب على الليبيين إيجاد طرق للعيش والعمل معا. الانقسامات لا تساعد إلّا الذين يريدون أن تظل ليبيا غير قابلة للحكم حتى يتمكنوا من استغلالها لمصالحهم الخاصة. يجب أن تكون هناك مصالحة بين الليبيين ويجب أن يصبح أعداء الأمس واليوم شركاء الغد.

من الخطوات التي لا غنى عنها إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية. هذه الخطوة لوحدها لُن تعالِج إلّا القليل من المشاكل، لكن بدونها سيزداد الوضع سوءً إذ لن تكون هناك سلطة شرعية في ليبيا وستصبح البلاد غير قابلة للسيطرة مما يجعل من المستحيل توحيد المؤسسات العسكرية والمالية والسياسية الوطنية التي بدونها لن يكون هناك استقرار.

ونحن بحاجة إلى التركيز على انسحاب المرتزقة كخطوة أولى. ويجب إدارة هذا الأمر بشكل جيد، والأمر متروك للأمم المتحدة لتحصل على الدعم اللازم لمراقبة هذا الانسحاب في كل مرحلة بحيث لا يتم تصدير المرتزقة المسلحين إلى بلدان أخرى.

يجب أن يكون انسحاب التواجد العسكري الأجنبي كليًا بشكل تدريجي قابل للقياس والمتابعة، إذ -واقعيًا- سيستغرق تنفيذ هذا الأمر وقتًا طويلًا. وليس من الواقعي أن يكون هناك نهج آني وضخم للانسحاب لأن هذا سيخلق مشاكل كبيرة بزعزعة الاستقرار الهش الحالي من خلال اضطراب ميزان القوى. إذا حدث هذا الاضطراب يمكن أن تنهار ليبيا داخليا بشكل كلّي ممّا ينعكس على استقرار جميع الدول المجاورة.

يجب علينا دعم الشعب الليبي في الطريق الصعب الذي ينتظرنا ليستعيد الليبيّون ليبيا ويستثمرون ثروتهم لما فيه مصلحة كُل الليبيين. لنستلهم من المعلم والقائد والشهيد عمر المختار (1858-1931): الذي ضحى بحياته من أجل ليبيا حرة موحّدة.

داخل ليبيا وخارجها هناك من يرون مصلحتهم في أن يستمر الأشقاء الليبيون في قتال بعضهم البعض حتى يتمكنوا هُم من سلب الثروة لأنفسهم، تلك الثروة نفسها التي تعود إلى كل الشعب الليبي. يجب أن نتغلب على أولئك الذين تتمثل مصلحتهم في أن تظل ليبيا غير قابلة للحكم والاستقرار.

بقلم:

إيفاريست بارتولو

وزير الخارجية المالطي السابق

Related Posts
Leave a Reply

Your email address will not be published.Required fields are marked *